تحقيق صحة نسبة كتاب الكبائر المطبوع للذهبي
بسم الله الرحمن الرحيم
النسخة
الصحيحة من كتاب (الكبائر وتبيين المحارم) للذهبي
من الكتب التي نُسِبت زُورا إلى بعض
الأئمة : كتاب الكبائر [النسخة المطولة القديمة] إلى الإمام الناقد الكبير :
الإمام الحافظ الذهبي (ت 748هـ). لأن النسخة المطولة مليئةٌ بكثير من الأحاديث
والروايات والقصص الضعيفة والباطلة ، ولا تصح نسبة تلك الأمور إلى الإمام الذهبي بحال
.
وقد وقع من بعض العلماء بسبب هذه
النسخة المطولة من كتاب (الكبائر) المدسوسة على الذهبي أنهم نسبوا الذهبيَّ إلى
التساهُل في إيراد الضعيف والموضوع في مصنفاته - كما وَقع لشيخنا العلامة عبد
الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى في تعليقته على "الأجوبة الفاضلة للكنوي ص
124" ووقع مثله للدكتور بشار عواد في ترجمة الذهبي - والذهبي بريء من هذه
النسخة ، فلا تصح نسبة التساهل إليه ، ولا عزوُ هذه الطامات إلى كتابه المذكور.
والنسخة الصحيحة من كتاب (الكبائر)
للذهبي هي النسخة المختصرة الخالية من الدس والتزوير والإضافات ، وهي التي اعتمد
عليها المحققون للكتاب في طبعاتهم المحققة أمثال المشايخ : محيي الدين مستو ، ومشهور
حسن سلمان ، وعبده علي كوشك وغيرهم .
وقد اعتمدوا من ضمن المخطوطات على
نسخة صحيحة منقولة عن نسخة قرئت على المصنف الذهبي وعليها خطه ، وهي خالية من هذه
البلايا والطامات .
تصريحات أهل العلم
بالنسخة الصحيحة من كتاب الكبائر :
سئل الشيخ حاتم الشريف
: هل صحيح أن من شرب خمراً وسكر لا تقبل الصلاة منه لمدة أربعين يوماً، وأنه إن
مات خلال الأربعين يوماً يكون كعابد وثن، وردت تلك الأحاديث في كتاب (الكبائر)
للذهبي في موقع الوراق؟.
فأجاب :
وأما عزو السائل للحديث إلى كتاب
(الكبائر) للذهبي، فهذه فرصة للتنبيه على أمر مهم بخصوص هذا الكتاب، فإن كتاب
(الكبائر) طبع عدة طبعات، ومنه نسخة طبعت بتحقيق الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة -
رحمه الله -، وبتحقيق عبد الرحمن فاخوري، وطُبع بتحقيق غيرهما ، وهي طبعات لا
تُمثل كتاب الذهبي (الكبائر) ففي نسبة تلك الطبعات للإمام الذهبي شكٌ كبير، وبيَّن
ذلك واستدل له الأستاذ محي الدين مستو في الطبعة التي بتحقيقه لكتاب (الكبائر)
للذهبي، وطبعته هذه هي التي تمثل كتاب الذهبي فعلاً.
وقد نظرت في كتاب (الكبائر) للذهبي
بتحقيق محيي الدين مستو، فلم أجد فيها الحديث المسؤول عنه!، وليس هذا بأول حديث
ضعيف أو باطلٍ يوجد في الطبعة المنسوبة خطأ للذهبي، ففيها - غيره- كثير!!. والله
أعلم.[أرشيف ملتقى أهل الحديث - (1) (2/25]
وقال الشيخ محمد خلف سلامة
:
كتاب الكبائر الكبير المطبوع قديماً
ولا يزال يُعاد طبعه، لا تصح نسبته إلى الإمام الذهبي إذ فيه كثير من الزيادات على
أصله، وكثير من تلك الزيادات لا تصح من الناحية العلمية، وإنما (الكبائر) للذهبي
على النصف من حجم الكتاب المشهور بين الناس، وقد طُبع أيضاً.
تكلم على هذه المسألة وحقَّقها غيرُ
واحد من المحققين والباحثين. [أرشيف ملتقى أهل الحديث - (5) 69/323]
وقال أحد الباحثين :
سمعت شريطا علي موقع islamwayللشيخ
محمد بن أحمد الشديدي اسمه (حقيقة كتاب الكبائر للذهبي) رجح فيه الشيخ نسخة
الكبائر للذهبي التي ذكر فيها الآيات والأحاديث بدون شرح ، وقال : بأن النسخة
المشروحة ليست صحيحةَ النسبة للذهبي لمافيها من الأشياء الموضوعة المخالفة لمنهج
الذهبي ، وذكر كلاما رائعا فليراجع ، وأيضا أثنى علي نسخة الكبائر التي حققها (محي
الدين مستو) وأنه سيعتمد عليها في شرحه للكتاب وأيضا أثنى علي النسخة التي حققها
الشيخ (مشهور حسن سليمان)::: فجزاكم الله خيرا. [أرشيف ملتقى أهل الحديث - (5) : (76/366]
وقال الشيخ أبو أحمد
البتلميتي:
نسخة الكبائر للذهبي التي في الموسوعة
الشاملة ليست بالنسخة الصحيحة ، ففيها تلك الطامات كحديث: "إن
من حافظ على الصلوات المكتوبة أكرمه الله تعالى بخمس كرامات يرفع عنه ضيق العيش
وعذاب القبر ويعطيه كتابه بيمينه ويمر على الصراط كالبرق الخاطف ويدخل الجنة بغير
حساب . ومن تهاون بها عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة خمس في الدنيا وثلاث عند الموت
وثلاث في القبر وثلاث عند خروجه من القبر فأما اللاتي في الدنيا فالأولى ينزع
البركة من عمره إلخ.
قال ابن حجر في "لسان
الميزان" : محمد بن
علي بن العباس البغدادي العطار: ركب على أبي بكر بن زياد النيسابوري حديثاً باطلاً
في تارك الصلاة. روى عنه محمد بن علي الموازيني شيخ لأبي النرسي انتهى. زعم
المذكور أن ابن زياد أخذه عن الربيع عن الشافعي عن مالك عن سمى عن أبي صالح عن أبي
هريرة رضي الله عنه رفعه: " من تهاون بصلاته عاقبه الله بخمس عشرة خصلة
". الحديث وهو ظاهرُ البطلان من أحاديث الطرقية.[المصدر السابق]
وقال الأستاذ عبد الستار
الشيخ في ترجمة الذهبي ضمن سلسلة من أعلام المسلمين (50) ص 521:
كتاب الكبائر : ذكره معظم الذين
ترجموا للذهبي ، وهو كتاب جليل .
وقد طبع الكتاب بتحقيق وتعليق الشيخ
محمد عبد الرزاق حمزة - رحمه الله - وذكر فيه أن للذهبي في هذا الموضوع كتابين :
الكبائر الكبرى ، والكبائر الصغرى .
وهذا ليس بصحيح . وصُوّر الكتاب وطبع
مرات عديدة في أماكن كثيرة عن تلك الطبعة بعد حذف اسم المحقق المذكور !
وطبع الكتاب في حلب باعتناء عبد
الرحمن فاخوري ، وبذل في خدمته جهدا جيدا ، لكنه لم يعتمد أصلا موثقا ، بل بنى على
الطبعات السابقة .
وأخيرا تمكن أخونا الأستاذ محيي الدين
مستو من الوقوف على الأصل الموثَّق لكتاب الكبائر ، والذي تصح نسبته - هو دون غيره
مما سبق - للإمام الحافظ الناقد الذهبي ، فحققه على ثلاث نسخ خطية .
وبين الكبائر المخطوط الموثَّق ، وبين
المطبوع المنتشِر : فروقٌ واختلافاتٌ أوجِزُها فيما يلي :
1- في المخطوط عدد الكبائر (76) كبيرة
. وأما في المطبوع فعددها (70) فقط .
2- خلو المخطوط من الأحاديث الموضوعة
.
وإيرادُ الأحاديث الضعيفة بصيغة
التمريض مع بيان علة الضعف بعبارة موجزة .
بخلاف المطبوع الذي احتوى على أزيد من أربعين
حديثا باطلا ، ذُكِرت مصدَّرةً بصيغة الجزم !
وهذا ينافر أسلوب الذهبي وعلمه ومنهجه
في التصنيف . بل هو قد حكم بوضع هذه الأحاديث في بعض كتبه مثل "تلخيص
المستدرك" و "ميزان الاعتدال" .
3- المخطوط ختم بفصل ذكر فيه : ما
يحتمل أن يكون من الكبائر ، وهذا الفصل ليس في المطبوع .
4- ظهور شخصية الذهبي في المخطوط في
كل صفحة بل في كل فقرة ، من خلال النقد والتمحيص ، والبعد عن الحشو ، والاكتفاء
بالنافع المفيد . بخلاف المطبوع الذي تتبدى فيه روحُ واعظ متصوفٍ يجمع الآثار
والأقوال والحكايات كحاطب ليل .
والكبائر المطبوع فيه أشياء كثيرة
منكرة ، وحكايات باطلة ، ما عوَّدَنا الذهبي أن يوردها دونما نقد : كتلك التي تزعم
أن أرواح المؤمنين تجمع في بئر زمزم ، وأرواح الكفار تجمع في بئر برهوت باليمن ،
إضافة لتلك الأحاديث الباطلة التي لم تجرِ للذهبي عادةٌ بإيرادها إلا لهتكها وبيان
بطلانها .
لذا زاد حجم المطبوع كثيرا فبلغ (260)
صفحة ، مع أنه ينقص (6) كبائر مع الفصل الأخير ، في حين أن الكتاب الموثق يقع في
أقل من (150) صفحة من المقدمة إلى نهاية الكتاب مع هوامش التحقيق !
والتفسير المَنطِقي - كما يرى الأستاذ
محيي الدين مستو ، ونحن نميل إلى رأيه - أن الكبائر المخطوط وقعت نسخة منه في يد
أحد الوعاظ المولَعِين بالجمع والحكايات والغرائب ، فأخذ ما أورده الذهبي من آيات
وأحاديث ، وحذف تعليقاتِ الذهبي ونقداته ، وأضاف الواعظ من عنده ما في جعبته من
أحاديث ضعاف وحكايات ومنامات وغرائب وأشعار ، وترك ذكر اسمه ربما تزهُّداً ، ووقع
الكتاب في يد من جاء بعده ، فأثبت اسم الذهبي عليه ، لاشتهار أن الكبائر من تصنيفه
.
وقد راج هذا الأمر على المحققين ومَن
تابعهم ، وقَبِلَه الدكتور بشار عواد الذي رأى أن الذهبي مشى على طريقة مَن كتب في
"الترغيب والترهيب" فتساهل في إيراد الأحاديث غير الصحيحة إلى جانب
الصحيحة ، باعتبار أن ذلك لا يحلِّل حراما ولا يحرِّم حلالا .
وهذا خطأ منه [أي من بشار] ، وغريب أن
يصدُرَ عنه ، وهو المتمرِّس بالذهبي وأسلوبه ، وممن سبر غَورَ شخصيته ومنهجه . اهـ
الخلاصة :
1- لا يصح القول بأن للذهبي كتابين في
الكبائر : صغير وكبير ، بل ليس له إلا المختصر الصغير .
2- الزيادات الواردة في الكتاب الكبير
ليست من الذهبي ، وإنما أدخلها إلى أصل الكتاب بعض الوعاظ المتساهلين الجاهلين بعلم
الحديث .
3- الطبعات غير المعتمدة من كتاب
الكبائر المنسوب إلى الإمام الذهبي هي : طبعة الشيخ عبد الرزاق حمزة وعبد الرحمن
فاخوري والمسروقة منهما .
4- الطبعات الموثقة هي طبعات : محيي
الدين مستو ، عبده على كوشك ، مشهور حسن سلمان وطبعته أجود ، بشير محمد عيون وغيرهم
.
5- من نسب الذهبي إلى التساهل في
إيراد الأحديث الضعيفة بدون نقد ، والأحاديث الموضوعة الباطلة ، اغترارا بالنسخ
غير الموثقة ، فقد جانب الصواب .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه
، والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .
جمعه
ورتبه : محمد طلحة بلال أحمد منيار عفى الله عنه
Comments
Post a Comment