الفرق بين كتابي الموضوعات والعلل المتناهية
الفرق
بين كتابي ابن الجوزي "الموضوعات" و"العلل المتناهية"
سأل الأخ أبو عمر رحماني
الموقر : ما هو الفرق بين الكتابين لابن الجوزي : الموضوعات والعلل المتناهية ؟
وقد أجبته أولا بجواب مختصر وهو :
"أنه كالفرق بين الحديث الموضوع والواهي" ، وكان قصدي أن مضمون الكتابين
مختلف بحسب نوع الأحاديث المدرَجة في كل منهما .
ولكن الأخ أبا عمر أضاف قائلا : و لكن
وجدت كثيرا مما أورده في "العلل" أورده في "الموضوعات" .
حينئذ شعرت أن الجواب المختصر غير مُقنِع
، لأنه إشكالٌ قويٌّ من أبي عمر . فعدتُ أبحث وأنقّر وأفتّش لعلي أجد جوابا مقنعا
لهذا الإشكال .
فوقفت على رسالة بعنوان : ما
أورده الحافظ ابن الجوزي من أحاديث كتب السنن الأربع في كتابه "العلل
المتناهية" ، لبعض الباحثين من السعودية .
وقد وجدت فيها فوائد عديدة ، واستخلصت
منها الجواب الذي يتلخص في ثلاث نقاط ، سأذكرها لاحقا . وأقدّم بين يدي الجواب بعض
الفوائد من الرسالة المذكورة .
الفائدة الأولى : تعريف
الحديث الواهي
قال الباحث الموصوف : الحد القريب
للحديث الواهي ، هو : الحديث الذي تفرد به متهم ، أو من غلب على حديثه الوهم .
الفائدة الثانية : ألقاب
الحديث الواهي
قال الباحث : ومن أشهر ألقابه التي
وقفت عليها :
( المتروك ) : ذكره الحافظ ابن حجر " في " نزهة
النظر" ( ص/114) .
( ضعيف جداً ) : قد كثر استعماله لدى علماء التخريج والاصطلاح في
وصف الحديث .
( مطروح ) : ذكر هذا اللقب الحافظ الذهبي في " الموقظة"
( ص34) وبعضهم يعبر بـ (مُطَّرَح) .
ومن ألقابه المستعملة عندهم أيضاً لكن
بقِلَّة : (ساقِطٌ) .
الفائدة الثالثة : الفرق
بين الحديث الواهي والحديث الموضوع .
قال الباحث : الحديث الواهي : هو الحديث الذي تفرد به متهم أو من غلب على
حديثه الوهم .
والحديث الموضوع : هو المكذوب
المختلَق المصنوع .
ويمكن بيان أبرز معالم الافتراق بين
الحديث الواهي و الحديث الموضوع في الأمور الآتية :
1- الأصل في راوي الحديث
الموضوع أنه كذاب مطعون في عدالته ، أما الحديث الواهي فراويه على قسمين : إما
مطعون في عدالته متهم بالكذب ، وإما مطعون في حفظه لغلبة خطئه على صوابه .
2- الحديث الموضوع لا يجوز
روايته إلا مقروناً ببيان حاله باتفاق العلماء ، أما الواهي لأجل الطعن في حفظ
راويه فيجوز روايته في الفضائل والترغيب و الترهيب ونحو ذلك عند طائفة من أهل
الحديث .
3- الحديث الموضوع لا يعمل
به البتة في جميع أبواب العلم باتفاق
العلماء ، أما الواهي بسبب سوء حفظ راويه فيعمل به في الفضائل والترغيب والترهيب
ونحو ذلك بشروط و ضوابط .
4- الحديث الموضوع لا يعتبر
به ولا يتقوَّى بغيره بحال من الأحوال باتفاق ، أما الحديث الواهي لسوء حفظ راويه
فيعتبر به ويتقوى بغيره لدى طائفة من أهل الحديث .
الفائدة الرابعة : انتقاد
العلماء للكتابين
قال الحافظ ابن الصلاح في "علوم
الحديث" (ص/99) : " ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر
"الموضوعات" في نحو مجلدين ،
فأودع فيها كثيراً مما لا دليل على وضعه ، إنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث
الضعيفة " .
قال السيوطي –
مستدركاً - في " تدريب الراوي" (1/329) : " بل وفيه الحسن والصحيح ،
وأغرب من ذلك أن فيها حديثا من صحيح مسلم " .
وقال السخاوي في "فتح
المغيث" (1/256) : ومن العجب أنه
أورد في كتابه "العلل
المتناهية" كثيراً مما أورد في "الموضوعات" كما أنه أورد في
"الموضوعات" كثيراً من الأحاديث الواهية مع أن موضوعهما مختلف وذلك
تناقض .
وقال الباحث كاتب الرسالة :
قد بلغ عدد أحاديث " السنن
" التي أوردها ابن الجوزي في "
العلل المتناهية" مئتين وثلاثة وستين حديثاً (263) حكم عليها بالضعف الشديد ،
وقريب من ثلث هذه الأحاديث – والثلث كثير - قوّاها الأئمة
قبله كأحمد وابن المديني والبخاري ، وكذا الحفاظ بعده كالذهبي والعراقي وابن حجر .
الجواب على إشكال أبي عمر :
وهو وجود أحاديث مشتركة بين الكتابين . ويتلخص الجواب في ثلاث نقاط :
النقطة الأولى : كثرة
أوهام ابن الجوزي وأغلاطه في مصنفاته
نقل الذهبي في "سير أعلام النبلاء" ( 21/378) عن
الموفق عبد اللطيف قوله: "وكان كثير الغلط فيما يصنفه فإنه كان يَفرُغ من
الكتاب ولا يعتبره " .
وقال ابن رجب في "ذيل طبقات
الحنابلة" (3/414) : للناس فيه كلام من وجوه :
منها : كثرة أغلاطه في تصانيفه ، وعذرُه
في هذا واضح وهو أنه كان مكثراً من التصانيف ، فيصنف الكتاب ولا يعتبره ، بل يشتغل
بغيره ، وربما كتب في الوقت الواحد في تصانيف عديدة ، ولولا ذلك لم يجتمع له هذه
المصنفات الكثيرة ، ومع هذا فكان تصنيفه في فنون من العلم بمنزلة الاختصار من كتب
تلك العلوم ، فينقل من التصانيف من غير أن يكون متقناً لذلك العلم من جهة الشيوخ
والبحث ، ولهذا نُقل عنه أنه قال : أنا مرتب ولست بمصنف " اهـ .
النقطة الثانية :
اشتراك مصادر الكتابين
قال الباحث : وموارده في كتابه
"العلل المتناهية" موافقة إلى
حد كبير لموارده في كتابه " الموضوعات"
، ولأجل هذا أورد في كتابه " العلل المتناهية" كثيراً من
الأحاديث التي خرَّجها في " الموضوعات" . وقد تعقبه الحفاظ والمحدثون
بعده كالحافظ ابن حجر ، والسخاوي .
هذا وقد أفصح ابن عراق في كتابه "تنزيه الشريعة" ( 1/4) عن موارده في
كتابه "الموضوعات" فقال : ومواد ابن الجوزي التي يسند الأحاديث من
طريقها غالباً :
الكامل لابن عدي ، والضعفاء لابن حبان
، وللعقيلي ، وللأزدي ، وتفسير ابن مردويه ، ومعاجم الطبراني ، والأفراد للدارقطني
، وتصانيف الخطيب ، وتصانيف ابن شاهين ، والحلية ، وتاريخ أصبهان ، وغيرهما من
مصنفات أبي نعيم ، وتاريخ نيسابور وغيره من مصنفات الحاكم ، والأباطيل للجوزقاني .
النقطة الثالثة :
نقل بعض الأحاديث من "العلل" إلى "الموضوعات"
قال الباحث : كتاب "العلل
المتناهية في الأحاديث الواهية "
قرين كتاب "الموضوعات" ، وهو سابقه في التأليف ، وتاليه في
الرتبة .
وقد رام ابن الجوزي في كتابه "
العلل المتناهية" جمع جمهور الأحاديث
الواهية شديدة الضعف ، ولم يلتزم إخراج الجميع .
قال ابن الجوزي في مقدمة "
الضعفاء والواضعين" (1/7): قد جمعت بحمد الله كتاباً كبيراً يحتوي على
الأحاديث الواهية سميته كتاب " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " ،
ثم أفردت للموضوعات كتاباً سميته كتاب " الموضوعات من الأحاديث المرفوعات
" .
وقال في مقدمة "الموضوعات"
(1/15) : القسم الخامس : جمعت لك جمهوره في كتابي المسمى بكتاب " العلل
المتناهية في الأحاديث الواهية" . وقد جردت لك في هذا الكتاب جمهور الموضوعات
. اهـ
يقول العاجز :
يفهم منه أنه نقل بعض الأحاديث من كتاب "العلل"
إلى "الموضوعات"
لما رآها شديدة الضعف كثيرة العلل . وهو سبب ورود بعض الأحاديث في الكتابين .
وفي الرسالة المذكورة فوائد أخرى لعلي
أوردها في مناسبة أخرى .
لخصه
ورتبه العاجز : محمد طلحة بلال أحمد منيار
2/2/2020
Comments
Post a Comment