مقارنة بين رزين العبدري وابن الأثير
مُقارَنة بين عمل الإمام رَزين العَبدري رحمه الله
تعالى
في كتابه
تَجرِيد الصّحاح
وبين عمل الإمام ابن الأثير رحمه الله تعالى في
كتابه
جامع الأصول
من خلال أحاديث بدء الوحي في
الكتابين
إعداد وترتيب
محمد طلحة بلال أحمد منيار
قال الإمام رَزِين العَبدَرِيُّ رحمه الله تَعَالى
في كتابه « تَجرِيد الصِّحَاح » :
كتابٌ كَيْفَ
كَانَ بَدْءُ الوَحْيِ إِلَى النبيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَوْلُ اللَّهِ
عزَّ وجَلَّ :
﴿ إِنَّا
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ
بَعْدِهِ ﴾ [النساء: 163]
1 - قَالَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « إِنَّمَا
الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ
كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالى وَرَسُولِهِ ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا ، أَوْ
إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ » .
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ ،
وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ ،
وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا
يَقُولُ ». قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ
يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ
وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا .
3 – (ط)
: وعَن عُبَادَة بن الصَّامت رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أُنزِلَ عليه كُرِبَ لذلكَ ، وتَرَبَّدَ وَجهُه ، وَنكَّسَ رأسَه ، ونكَّسَ
أصحابُه رُؤوسَهُم ، فإذا أُبِلَّ عنهُ رَفَع رأسَه .
البَل :
الشفاء ، ومنه حديث العباس : ماء زمزم حِل وبِلّ .
4 – (ط م) : وَعَن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال : كان إذا جاءَ الوحيُ لا يَخْفى
علينا ، وإذا جاءَ ليسَ أحدٌ يَرفَعُ طَرْفَهُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى يَنقَضِي .
5 – (ت) : عَن عُمر رضي الله عنه قال : «كان رسولُ الله - صلى الله عليه
وسلم- إذا نزل عليه الوحيُ : يُسْمَعُ عندَ وَجهِه كَدَوِيِّ النَّحلِ ، فأُنْزِل
عليه يوماً ، ثم سُرِّي عنه ، فَرَفَعَ يَدَيهِ وَدَعَا ... الحديث .
أدخله
الترمذي في تفسير (قد أفلح) . قال الترمذي : قرأ عَشْرَ آياتٍ من أول سورةِ ( قَد
أَفلَحَ ) وقالَ : « من قَرأ هذه الآياتِ العشرَ دَخَل الجنةَ » . ثم استقبلَ ورَفَع
يديه وقال : « اللهم زِدْنا ولا تَنقُصْنَا ، وأكْرِمنَا ولا تُهِنَّا ،
وأَعْطِنَا ولا تَحْرِمنا، وآثِرنا ولا تُؤثْرْ عَلَينا ، اللّهم أَرضِنَا وارضَ
عنَّا » .
6 – (خ)
: عَن صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ، أَنَّ يَعْلَى رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ : لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ ،
فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ
جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ
أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً فَجَاءَهُ الوَحْيُ ، فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى
يَعْلَى ، فَجَاءَ يَعْلَى وعَلَى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَوْبٌ قَدْ أَظَلَّ بِه ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ ، فَإِذَا هُوَ مُحْمَرُّ الوَجْهِ
، وهُو يَغِطُّ ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ ، فَقَالَ : « أَيْنَ الَّذِي سَألَ عَنِ
العُمْرَةِ ؟ » فأُتِيَ برَجُلٍ فَقَالَ : « اغسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ ، وَانزِع عَنكَ الجُبَّةَ ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ
فِي حَجَّتِكَ » .
7 - وَعَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي
النَّوْمِ ، وَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ،
ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ
فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ - قَبْلَ
أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدَ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى
خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا ، حَتَّى فَجَئَه الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ
، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ : « مَا أَنَا بِقَارِئٍ »، قَالَ :
« فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي
فَقَالَ : اقْرَأْ ، قُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي
الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ :
اقْرَأْ ، فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ
ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ : ﴿ اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 1-3]
فَرَجَعَ
بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ ،
فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقَالَ : «
دَثِّرُوني زَمِّلُونِي » فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ، فَقَالَ
لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ : « لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي » قَالَتْ :
كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ،
وَتَحْمِلُ الكَلَّ ، وَتُكْسِبُ المَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ
عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ.
فَانْطَلَقَتْ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ
ابْنَ عَمِّها ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ
العِبْرَانِيَّ ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ
اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ ، فَقَالَتْ لَهُ
خَدِيجَةُ : يَا ابْنَ عَمِّ ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ ، فَقَالَ لَهُ : يَا
ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ بن نوفلٍ : هَذَا النَّامُوسُ
الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ تعالى عَلَى مُوسَى ، يَا
لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَوَ مُخْرِجِيَّ
هُمْ » ، قَالَ : نَعَمْ ، لَمْ يَأْتِ أحَدٌ قَطُّ
بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ ، وإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ
نَصْرًا مُؤَزَّرًا . ثُمَّ لَمْ يَلبَث وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ ، وَفَتَرَ
الوَحْيُ .
8 - وَحَدَّث جَابِرُ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي
الله عنه عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ : قال رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : « بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا
مِنَ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي ، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي
بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَرُعِبْتُ
مِنْهُ ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ : زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي » فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ . وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 1-5] . فَحَمِيَ الوَحْيُ
وَتَتَابَعَ .
9 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي
الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 16]
قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ ﴿ فَإِذَا
قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [القيامة:
18] قَالَ: فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ ﴿
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة:
19] أَنْ تَقْرَأَهُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ لَه ،
فَإِذَا انْطَلَقَ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا
قَرَأَ .
10 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي
رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ
رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ ، وَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ » .
11 – وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ
بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ : أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ
قُرَيْشٍ ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ
وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ ، وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ ، فَدَعَاهُ فِي مَجْلِسِهِ ، قال : فَأُدْخِلْنَا
عَلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ شَيخٌ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ
، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ، ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ ، فَقَالَ:
أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ
أَبُو سُفْيَانَ : قُلْتُ : أَنَا ، قَالَ : أَدْنُوهُ مِنِّي ، وَقَرِّبُوا
أَصْحَابَهُ عِنْدَ ظَهْرِهِ ، وَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ
هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ . قالَ أبو سُفيان : فَوَاللَّهِ
لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ .
ثُمَّ
كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ : كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ
: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ ، قَالَ : فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ
قَطُّ مِثله؟ قُلْتُ : لاَ. قَالَ : فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟
قُلْتُ: لاَ ، قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟
قُلْتُ : بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ . قَالَ : أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ :
بَلْ يَزِيدُونَ . قَالَ : فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ
بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ : لاَ. قَالَ : فَهَلْ كُنْتُمْ
تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ :
فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ
فَاعِلٌ فِيهَا ، ونَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ
. قَالَ : وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا إلّا أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي ، غَيْرُ هَذِهِ
الكَلِمَةِ ، قَالَ : فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ : نَعَمْ. قَالَ : فَكَيْفَ
كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ : الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ،
يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ . قَالَ : مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ :
اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا
يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ
وَالصِّلَةِ.
فَقَالَ
لِلتَّرْجُمَانِ : قُلْ لَهُ : سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ
فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا.
وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مثلَه ، فَذَكَرْتَ أَنْ
لاَ ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا القَوْلَ مثلَهُ ، لَقُلْتُ : رَجُلٌ
يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ
مَلِكٍ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ، قُلْتُ :
رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ
بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، فَقَدْ أَعْرِفُ
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ .
وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، فَذَكَرْتَ
أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلْتُكَ
أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ، وَكَذَلِكَ
أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً
لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ
الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ . وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ ،
فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ . وسألتكَ كيف الحَرْبُ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ ، فقلت : الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ ، يُدَالُ
عَلَيْنا وَنُدَالُ منه ، فقلتُ :كَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُم تَكُونُ لَهَمُ
العَاقِبَةُ .
وَسَأَلْتُكَ
بِمَا يَأْمُرُكُمْ ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ
وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ،
وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ والصِّلةِ ، وَهذه صِفَة
نَبي ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَينِ،
وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ ، ولَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ،
فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَكلَّفتُ لِقَاءَهُ ، وَلَوْ
كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيهِ.
ثُمَّ
دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ
بِهِ مَع دِحْيَةَ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ ،
فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مِنْ
مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ : سَلاَمٌ
عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ
الإِسْلاَمِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ،
فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ اليَرِيسِيِّينَ " وَ ﴿
يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ﴾
إلى قوله : ﴿ فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ ﴾ .
قَالَ
أَبُو سُفْيَانَ : فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ ،
كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا ، فَقُلْتُ
لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا : لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ ،
إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ. فَمَا زِلْتُ ذَليلا مُستَيقِنًا بأن
أمرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ تعالى عَلَى قَلبي الإِسْلاَمَ وَأنا
كارهٌ .
وَكَانَ
ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ ، سُقُفُّ عَلَى نَصَارَى
الشَّأْمِ يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ ، أَصْبَحَ يَوْمًا
خَبِيثَ النَّفْسِ ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ : قَدِ اسْتَنْكَرْنَا
هَيْئَتَكَ ، قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ : وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي
النُّجُومِ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ : إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ
نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ
هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالُوا : لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا اليَهُودُ ، فَلاَ
يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ ، فَليَقْتُلُوا
مَنْ فِيهِمْ مِنَ اليَهُودِ . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ ، أُتِيَ
هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ النبي صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ : اذْهَبُوا
فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ ، فَحَدَّثُوهُ
أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ ، وَسَأَلَهُ عَنِ العَرَبِ ، فَقَالَ : هُمْ مُخْتَتِنُونَ ،
فَقَالَ هِرَقْلُ : هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ.
ثُمَّ
كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي العِلْمِ
، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ
مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ
فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ، ثُمَّ
اطَّلَعَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الرُّومِ ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاَحِ
وَالرُّشْدِ ، وَأَنْ يَثْبُتَ لكم مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟
فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ ، فَوَجَدُوهَا قَدْ
غُلِّقَتْ ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ تفرُّقَهم ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ ،
قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ ، وَقَالَ: إِنِّي إنما قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا
أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَقَدْ رَأَيْتُ ، فَسَجَدُوا
لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ .
(م) : قال أبو
سفيان : وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللهُ تعالى عَنْهُ
جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ
اللهُ تعالى .
% % %
@ التعليق والتوضيح @ :
1 – ابتدأ رزين « تجريد
الصحاح » بكتاب بدء الوحي اتباعا للإمام البخاري في « صحيحه » كما بين هو منهجه
بقوله في المقدمة : « واستقصاءُ جميع تَراجِم البخاري ،
لتضمُّنها من الحِكم والفقه ما قد ضَمَّنها » ، وقال : « وجعلتُ الاصلَ الذي يبنَى عليه في
التراجم للكتب والأبوابِ : كتابَ البخاري » .
أما ابن الأثير فبنى
كتابه على سرد الكتب والأبواب على ترتيب حروف التهجي ، لذلك ابتدأ كتابه ( جامع
الأصول ) بالكتب المبدوءة أسماؤها بحرف الهمزة ، وهي عشرة كتب : كتاب الإيمان
والإسلام ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، كتاب الأمانة، كتاب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، كتاب الاعتكاف، كتاب إحياء الموات، كتاب الإيلاء، كتاب الأَسماء
والكُنى، كتاب الآنية، كتاب الأَمل والأَجل.
2 – حديث « الأعمال
بالنيات » هو أول حديث في « تجريد الصحاح » لرزين كما في البخاري . أما ابن الأثير
فأورده في حرف النون في الكتب التي تبدأ أسماؤها بالنون ، و منها : كتاب النية
والإخلاص ، وهو أول حديث في الكتاب المذكور .
3 – أورد رزين هنا لفظَ
الحديث الأول تاما ، كما هو في المواضع الأخرى من صحيح البخاري ، ولم يُشِر إلى
اختصار البخاري للفظه في باب بدء الوحي ، لأنه ذكر أن من منهجه في سياق المتون هو
اختيار اللفظ الأتم ، قال رزين : « وأوردت المتنَ من ذلك
بلفظ أحدهم ، وبأتَمِّه إذا اختلفوا في اللفظ واتفقوا في المعنى » .
أما ابن الأثير فصرَّح
بالاختصار ، حيث أورده تاما أولا ، ثم ذكر الرواية المختصرة مصرِّحا بأنها هكذا في
أول كتاب البخاري .
4 – كرر رزين إيراد هذا الحديث في الأبواب التالية من « تجريد الصحاح »
تبعا للبخاري ، ولكنه لا يسوقه كاملا ، وإنما يقتصر على الجزء الأول منه وهو «
الأعمال بالنية » . بينما ابن الأثير لم يذكره إلا في كتاب النية والإخلاص .
5 – ذكر ابن الأثير أن
البخاري يرويه في بعض المواضع بلفظ : « الأعمال بالنية » بالإفراد ، ولم ينبه عليه
رزين .
6 – عَلّم ابن الأثير على
هذا الحديث برموز الأئمة الذين رَوَوه في كتبهم ، وهم (خ م د ت س) . أما رزين فمنهجه عدم الرمز على
الحديث إذا كان مما اتفق على إخراجه الشيخان ، حيث قال رزين : « وعَلَّمتُ
على ما في " موطأ مالك " بـ (ط) ومسلم
بـ (م) والبخاري بـ (خ)
في أول الحديث ». ثم قال : « وغير
المُعَلَّم إما أن يكون مما اتُّفِقَ عليه لفظا أو معنىً –
وهو الأكثر- أو مما ينفرد به البخاري » .
7 – اتفقا على الاقتصار على
ذكر صحابي الحديث ، وحذف بقية الإسناد اختصارا ، إلا عند الحاجة . قال رزين : « ولم
أذكر من الإسناد إلا الصاحبَ فقط ، وفي النادر مَن روى عنه لزيادة بيانٍ أو معنى
يتصل به لا يقع الفهمُ إلا بذكره » . وبنحوه قول ابن
الأثير : « فلم أثبت إلا اسمَ الصحابي الذي روى الحديث عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- إن كان خبراً ، أو اسمَ من يرويه عن الصحابي إن كان أثراً ، اللهم إلا أن يَعرِض
في الحديث ذكرُ اسم أحد رواته فيما تمسّ الحاجة إليه ، فأذكره لتوقف فهم المعنى
المذكور في الحديث عليه » .
% % %
ثم أورد رزين أحاديث الباب ( بدء الوحي ) فذكر عشرة أحاديث على النحو
التالي :
أ – حديث الحَارث بن هِشام : «
كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ » .
ب – حديث عُبادة بن الصامت : « إذا
أُنزِلَ عليه كُرِبَ لذلكَ » .
ج - حديث أبي هُريرةَ : «
كان إذا جاءَ الوحيُ لا يَخْفى علينا » .
د -
حديث عُمر : « إذا نزل عليه الوحيُ : يُسْمَعُ عندَ وَجهِه كَدَوِيِّ النَّحلِ
» .
هـ - حديث يَعْلَى
بْنِ أُمَيَّةَ : « لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ » .
و - حديث عَائِشَةَ : «
أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ » .
ز -
حديث جَابِرُ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ .
ح -
حديث ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ ﴾ .
ط - حديث ابْنِ
عَبَّاسٍ أيضا : « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَجْوَدَ النَّاسِ » .
ي - حديث ابْنِ
عَبَّاسٍ أيضا في قصة أبي سفيان مع هِرقْل .
@ التعليق والتوضيح @ :
1
- زاد رزين
هنا أربعة أحاديث ، وهي ( ب ، ج ، د ، هـ ) ولم يخرج البخاريُّ منها إلا الحديث
الرابع : حديثَ يعلى بن أمية ، ولكن البخاري أخرجه في كتاب الحج والمغازي وغيرهما
.
أما الأحاديث الثلاثة
الأولى فقد علّم عليها رزين برموز مخرجيها على النحو التالي :
(ط) حديث عُبادة بن الصامت : « إذا
أُنزِلَ عليه كُرِبَ لذلكَ » .
(ط م) حديث أبي هُريرةَ : « كان إذا جاءَ الوحيُ لا يَخْفى علينا » .
(ت) حديث عُمر : « إذا نزل
عليه الوحيُ : يُسْمَعُ عندَ وَجهِه كَدَوِيِّ النَّحلِ » .
ط : للموطأ ، م : لمسلم ، ت : للترمذي . ولم أجد التصريح برمز الترمذي في مقدمة رزين ، لكن
الأظهر أن ( ت ) هو للترمذي لوجود الأحاديث المعلَمة به في الترمذي .
حديث عُبادة بن الصامت
: « إذا أُنزِلَ عليه كُرِبَ لذلكَ » المرموز له بـ (ط) هو مما أخرجه مسلم في كتاب الحدود ، لكن عليه في «
تجريد الصحاح » رمز الموطأ ، وليس في نسخ الموطأ التي بين أيدينا ، فقد يكون واردا
في بعض روايات الموطأ . لكنه برمز مسلم في « جامع الأصول » .
و حديث أبي
هُريرةَ : « كان إذا جاءَ الوحيُ لا يَخْفى علينا » رمز له رزين بـ (ط م ) ، ولا يوجد اليوم في
الكتابين ، وقد أورده ابن الأثير في « جامع الأصول » من غير رمز .
أما حديث عمر فوارد في
الترمذي في كتاب التفسير .
2
– بقية
أحاديث الباب أوردها البخاري في بدء الوحي ، ولكن ترتيبها في كتاب البخاري هكذا :
( أ ، و ، ز ، ح ، ط ، ي ) حيث إن رزينا أخَّر حديثَ عائشة في قصة بدء
الوحي ، وهو مقدَّم في كتاب البخاري . والبقية على الترتيب .
أما ابن الأثير فأوردها في كتاب
الوحي ، الباب الثالث : باب ( بدء الوحي وكيفية نزوله) على النحو الآتي :
1– حديث عَائِشَةَ : « أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي
النَّوْمِ » .
2 - حديث جَابِرُ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ .
3 - حديث الحَارث بن هِشام : « كَيْفَ
يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ » .
4 - حديث عُمر : « إذا نزل
عليه الوحيُ : يُسْمَعُ عندَ وَجهِه كَدَوِيِّ النَّحلِ » .
5 – حديث عُبادة بن الصامت : « إذا
أُنزِلَ عليه كُرِبَ لذلكَ » .
6 - حديث أبي هُريرةَ : «
كان إذا جاءَ الوحيُ لا يَخْفى علينا » .
7 - حديث يَعْلَى
بْنِ أُمَيَّةَ : « لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ » .
8 - حديث ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ ﴾ .
9 - حديث ابْنِ
عَبَّاسٍ أيضا : « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَجْوَدَ النَّاسِ » .
ثم أورد ابن الأثير نحو 13 حديثا
متعلقة بنزول الوحي وكيفية نزوله وأول مانزل وآخر ما نزل ...الخ
هذه الأحاديث التي أوردها ابن
الأثير منها ما هو في الصحيحين ، ومنها ما هو في كتب السنن .
3- نلاحظ أن رزينا لا يذكر
فروق الروايات ، ولا يسرد الحديثَ على الوجه ، وإنما يختصره ، وربما يفعل ذلك لأنه
سيورد بعض الروايات فيما يلي تبعا للبخاري ، بينما نجد أن ابن الأثير يستقصي في
تتبع ألفاظ الروايات ويدقق في ذكر الفوارق ويرمز على كل رواية برموز مخرجيها ، لأن
منهجَه جمع الروايات في مكان واحد . لنأخذ مثالا للتوضيح :
حديث يعلى بن أمية :
في « تجريد
الصحاح » لرزين :
(خ)
: عَن صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ، أَنَّ يَعْلَى رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ : لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ ،
فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ
جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ
أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً فَجَاءَهُ الوَحْيُ ، فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى
يَعْلَى ، فَجَاءَ يَعْلَى وعَلَى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَوْبٌ قَدْ أَظَلَّ بِه ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ ، فَإِذَا هُوَ مُحْمَرُّ
الوَجْهِ ، وهُو يَغِطُّ ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ ، فَقَالَ : « أَيْنَ الَّذِي
سَألَ عَنِ العُمْرَةِ ؟ » فأُتِيَ برَجُلٍ فَقَالَ : « اغسِلِ الطِّيبَ الَّذِي
بِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، وَانزِع عَنكَ الجُبَّةَ ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ
كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ » . انتهى
وفي « جامع الأصول» 11/284
:
(خ م س) يعلى بن أمية رضي الله عنه كان يقول
لعمر: «ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين ينزل عليه الوحي، فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالجِعرَّانة وعليه
ثوب قد أُظِلَّ به عليه ، ومعه ناس من أصحابه فيهم
عمر ، إذ جاءه رجل مُتضمِّخ بطِيب ،
فقال : يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم في جُبَّة بعد ما تَضَمَّخ بطِيب؟ فنظر
النبي صلى الله عليه وسلم ساعة ، ثم سكت ، فجاءه الوحيُ ، فأشار عمر إلى
يَعْلَى : أن تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه، فإذا هو مُحَمرُّ الوجه ، يَغِطّ لذلك
ساعة ، ثم سُرّي عنه ، قال: أين الذي سألني عن العمرة آنفاً؟ فالتُمِسَ الرجل،
فجيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، فقال: أمّا الطِّيب الذي بك فاغسله ثلاث
مرات ، وأما الجُبَّة : فانزعها ، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك» .
وفي رواية
قال: «كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل عليه أثر صُفرة ... بنحوه»
أخرجه البخاري ومسلم .
وفي رواية
النسائي: قال صفوان بن يعلى : قال أبي: «ليتني أرى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم- يُنزَل عليه، فبينما نحن بالجِعْرَانة - والنبيُّ صلى الله عليه وسلم في
قُبَّةٍ - فأتاه الوحي، فأشار إليَّ عمر: أن تعال، فأدخلتُ رأسي القبّة، فأتاه رجل
قد أحرم في جُبَّةٍ بعمرة متضمِّخٌ بطيب، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل أحرم
في جُبَّةٍ؟ إذ أنزل عليه الوحي، فجعل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- يغِطَّ لذلك
فسُرِّي عنه، فقال: أين الرجل الذي سألني آنفاً؟ فأتى الرجلُ ، فقال: أما
الجُبَّةُ فاخلعها ، وأما الطِّيب: فاغسله ، ثم أحدِثْ إحراماً » .
قال النسائي:
قوله: «ثم أحدِثْ إحراماً» ما أعلم أحداً قاله غير نوح بن حبيب ، ولا أحسبه محفوظاً
، والله أعلم .
لاحظ أن المعلّم عليه باللون
الأزرق في الرواية الأولى لم يورده رزين ، وبقية الفروق التي عُلِّم عليها باللون
الأخضر كلُّها من إضافات ابن الأثير في « جامع الأصول » . ثم إن رزيناً اقتصر على
رمز البخاري ، مع أنه متفق عليه عند الشيخين ، لا أدري لمَ ؟
هذه أهم النقاط في المقارنة بين
الكتابين ، والمقام يحتمل الإطالة ، ولكن أردتُ الاختصار .
أعده ورتبه : محمد طلحة بلال أحمد منيار
Comments
Post a Comment