لا فرق بين مصطلحي فضائل الأعمال و الترغيب والترهيب
بدعة التفريق
بين مُصطَلحَي
(فضائل الأعمال)
و (الترغيب والترهيب)
في مبحث قبول الحديث
الضعيف
ذهب بعض
الكاتبين في علوم الحديث إلى القول : بأن علماء الحديث في مَعرِض حديثهم عن قبول
الحديث الضعيف ، يستعملون مصطلحَين هما : (فضائل الأعمال) و(الترغيب والترهيب)
وأنهم يفرّقون بينهما على النحو التالي :
يستعملون
مصطلح (فضائل الأعمال) في العَمَل
المخصوص الذي لم يَرِد في ثُبوته حديثٌ صحيح أو حسن ، وإنما ورد في فضله حديثٌ
ضعيف ، فيحكمون باستحبابه بناءً على هذا الحديث الضعيف ، مثل : حديث صلاة ست ركعات
بعد المغرب ، وحديث قراءة الدعاء مع حَثو ثلاث حَثَيات من تراب على الميت ، وحديث
استحباب الترسُّل في الأذان والحَدر في الإقامة . فيقبلون الحديث الضعيف في أمثاله
بشروطه المعروفة.
وأما مصطلح (الترغيب والترهيب) فيستعملونه في عمل ثابت في
الشرع بحديث صحيح أو حسن ، ثم ورد في حديث ضعيفٍ ثوابٌ مخصوصٌ للترغيب فيه أو عقابٌ
مخصوصٌ للترهيب عنه . فيقبلون فيه الحديث الشديد الضعفِ والواهي أيضا من غير مُراعاة
لشروط قبول الحديث الضعيف . انتهى كلامه ملخصا .
أقول :
هذا التفريق الذي
نسبه الكاتب إلى علماء الحديث مُبتَدَع مختَرَع ، لا أدري من أين أتى به ؟ وكيف
استساغ أن ينسُبه إلى جماهير المحدثين ، مع أنه لم يذكر نصا واحدا عنهم يدل على
التفريق المذكور ، بل الحق أن أقوال علماء الحديث في مبحث قبول الحديث الضعيف وكذلك
استعمالاتهم للمصطلحَين ينادي بأعلى النداء بعدم التفريق بينهما عموما.
وقد استند
الكاتب للتفريق المذكور إلى كلام ورد للإمام عبد الحي اللكنوي في كتابه "ظفر
الأماني" في معرِض مُناقشته للشهاب الخَفَاجي في ردّه على الجلال الدَّوَّاني
في مسألة (أن القول باستحباب عمل من
الأعمال بناءً على حديثٍ ضعيفٍ لا ينافي قولهم : لا تَثبُت الأحكام إلا بحديث صحيح
أو حسن). ولكن ليس في كلام اللكنوي ما
يَشهد لهذا المفهوم المختَرَع البتَّة ، ومن قرأ البحث كاملا في "ظفر
الأماني" تبيَّن له ذلك ، فكأن الكاتب الموصوفَ لم يُمعِن والتَقَط من ثنايا
كلام اللكنوي ما ظن أنه مؤيد للتفريق ، وليس كما زعم .
ولو استعرضنا
أقوالَ أئمة الحديث في هذا الموضوع لوجدنا أنهم لا يفرّقون بين المصطلحين من حيث
الاستعمال ولا الحكم :
◊ عَن
عبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي أَنه قَالَ : إِذا روينَا عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَحْكَام شدَّدنا فِي الْأَسَانِيد
وانتقدنا فِي الرِّجَال ، وَإِذا روينَا فِي فَضَائِل
الْأَعْمَال وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب سهَّلنا فِي الْأَسَانِيد وتسامَحنا
فِي الرِّجَال . "المدخل إلى
علم السنن" للبيهقي (1/372)
.
◊ بَابُ
التَّشَدُّدِ فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ وَالتَّجَوُّزِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ
قَدْ وَرَدَ
عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَحَادِيثِ
الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ إِلَّا عَمَّنْ كَانَ بَرِيئًا
مِنَ التُّهْمَةِ بَعِيدًا مِنَ
الظِّنَّةِ ، وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّرْغِيبِ
وَالْمَوَاعِظِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَتْبُهَا عَنْ سَائِرِ
الْمَشَايِخِ . الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص: 133).
◊ قال ابن الصلاح: "يجوز عند أهل الحديث وغيرهم
التساهلُ في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير
اهتمام ببيان ضعفها، فيما سوى صفات الله عز وجل وأحكام الشريعة من الحلال والحرام
وغيرهما ، وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل
الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد". مقدمة ابن الصلاح (ص: 103)
◊
ولابن شاهين كتاب سماه : الترغيب في فضائل الأعمال .
◊ وكتاب
المنذري (الترغيب والترهيب) مشهور ، لم يفرّق فيه
بين المصطلحين ، فذكر فيه أحاديث فضائل الأعمال والترغيب والترهيب جنبا إلى جنب .
◊ والذين
صنَّفوا في الأحاديث الموضوعة أيضا لا يفرقون بين الضعيف الوارد في الفضائل أو
الوارد في الترغيب والترهيب ، يعني خلافا للتفريق المزعوم . ففي"تنزيه
الشريعة" لابن عَرَّاق
عقد كتابا عنوانه (كتاب المناقب والمثالب) فذكر فيه أحاديث الفضائل والترغيب
والترهيب .
فالحاصل
: أنه لا فرق عند المحدثين والفقهاء بين المصطلحين كما ذهب
إليه بعض الكاتبين ، بل قد يستعملون لفظ (الرقائق) ويعنون به النوعين ، روى الميموني عن أحمد أنه قال:
"الأحاديث الرقائق تحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم".
نعم يختلفون
في التشدد والتساهل في قبول الحديث الضعيف فيما لا يثبت حكما جديدا مستقلا ، وربما
قبلوا الضعيف إذا لم يكن في الباب غيره ، وربما تساهلوا في هذا الباب إذا لم يكن
المتن منكرا ، أو إذا لم يتفرد به راو لا يحتمل التفرد ، وربما يقبلونه لمؤيدات
وشواهدَ أخرى كمفهوم آية أو فتوى صحابي أو عمل الناس .
والحقيقة أن
لنُقَّاد الحديث نظرٌ خاصٌّ في كل حديث ، والذين ذَكروا التساهل في هذا الباب
يردّون أحاديث كثيرة في الفضائل إذا اشتدَّ ضعفُها ، مما يدل على أن التساهل عندهم
منضبط وأنهم لا يتركون حديثا بدون نقد لسنده ومتنه .
هذا ، والله أعلم بالصواب .
سطره العاجز محمد طلحة بلال
أحمد منيار
يوم الاثنين 28 صفر 1441 هـ
Comments
Post a Comment