الحديث المعضل في سنن سعيد بن منصور



الحديثُ المُعضَل في سُنَن سعيد بن منصور

استوقفني ما جاء في "تيسير مصطلح الحديث" للشيخ محمود الطحان في مبحث (الحديث المُعضَل) نقلا عن الإمام السيوطيِّ : أنَّ مِنْ مَظَانِّ الحَدِيث الْمُعْضَلِ : كِتَابُ " السُّنَنِ " لِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ .
وسببُ ذلك أن عدَّ "سُنَن سعيد بن منصور" من مظانِّ الحديث المُعضَل يعني : أن أمثلةَ الحديث المعضَل فيه كثيرةٌ مُلفِتة للنظر ، وإلا فلا يخلو كتابٌ من كتب الحديث من بعض الأمثلة له .
فراجعتُ "التدريب" لأقِفَ على أصل كلام السيوطي ، فوجدته يقول في مبحث الحديث المعضَل : "مِنْ مَظَانِّ الحَدِيث الْمُعْضَلِ، وَالْمُنْقَطِعِ، وَالْمُرْسَلِ : كِتَابُ " السُّنَنِ " لِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، وَمُؤَلَّفَاتُ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا ".
فتبيَّن أن السيوطي لم يُفرد المعضَلَ بالذكر ، وإنما  ضَمَّ معه المنقطعَ والمرسَلَ في كون "سنن سعيد بن منصور" من مظانّها .
وواصلتُ البحث في موضوع المعضَل ، فرجعت إلى القطعتين المنشورتين من "سنن سعيد بن منصور"  وهما :
1- قطعة من المجلد الثالث منه وتشتمل على أبواب (الفرائض ، الوصايا ، النكاح ، الطلاق ، الجهاد) حققها ونشرها العلامة المحدث حبيب الرحمن الأعظمي رحمه الله في مجلدين.
2- قسم فضائل القرآن والتفسير ، حققه ونشره الدكتور سعد الحميّد حفظه الله في ثمانية مجلدات.

انتقاد الدكتور سعد الحُمَيِّد للسيوطي :
وقرأت مقدمة تحقيق القطعتين المذكورتين لعلي أجد فيهما إشارة إلى هذا الموضوع ، فوجدت الدكتور سعد الحميِّد حفظه الله أورد في مقدمته إحصائيتَين لأحاديث القطعة التي حققها من "السنن" وعددها تقريبا (869) حديثا ، وهما :
1- إحصائية بأنواع المرويات فيها ، يعني الأحاديث المرفوعة الموصولة والمرسلة منها ، ثم الأحاديث الموقوفة على الصحابة ، ثم الأحاديث المقطوعة . وذكر أرقام هذه الأنواع من الأحاديث تفصيلا . انظر ص (190-193).
2- إحصائية بمرتبة الأحاديث حسب تخريجه لها وحكمه عليها، ففيها الصحيح والحسن والضعيف والشديد الضعف ... إلخ ، انظرص (198-201) .
لكن أردف الدكتور سعد الحميد هذه الإحصائية الثانية بقوله (ص 203) :
وبهذه الإحصائية يتضح خطأ ما قاله السيوطي في "تدريب الراوي" حين قال : (مِنْ مَظَانِّ الْمُعْضَلِ، وَالْمُنْقَطِعِ، وَالْمُرْسَلِ: كِتَابُ " السُّنَنِ " لِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، وَمُؤَلَّفَاتُ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا) وتابَعَه على قوله هذا : الكتَّاني في "الرسالة المُستطرَفة" .
ووجه تخطئة السيوطيّ في كلامه هذا : تخصيصُه "سننَ سعيد بن منصور" دون سِواها بوجود هذه الأنواع (المعضل والمنقطع والمرسل) بما يُفيدُ كثرتَها فيه ، وهذا ليس بصحيح ، فهذا القسم المحقَّق عددُ أحاديثه تسعة وستون وثمانمئة حديث ، ولم أجد فيه من المعضَل سوى سبعة أحاديث وهي رقم [72، 75، 191، 230، 415، 483، 515] .
وأكثرُ هذه الأنواع التي ذكرها يعني السيوطي وجودا في "السنن" هو المُرسَل ، وعدد الموجود منه في هذا القسم : تسعة وستون حديثا ، وهذا إنما يشكِّل نسبة ثمانية في المئة فقط تقريبا (8 % ) .
وليس وجودُ المرسَل خاصا بـ"سنن سعيد بن منصور" لأن هناك مَن يشاركه في إخراج كثير من الأحاديث المرسَلة ، ولم يجعَل السيوطيُّ كتابَه من مظانّ المرسَل ، كابن أبي شيبة فإنه شارك سعيداً في إخراج كثير من هذه الأحاديث المرسَلة كالحديث رقم [30، 33، 53، 55، 57] . انتهى كلام الدكتور سعد الحميد .

رأيي في الموضوع :
أقول : أما أنا فعندي توقُّفٌ عن تخطئة السيوطي في عدّه "سنن سعيد بن منصور" من مظانِّ المعضَل ، لأسباب منها :
1-  أن الإمام السيوطي رحمه الله تعالى وقف على كتاب "السنن" كاملا ، وأحال عليه في مصنفاته كـ"جمع الجوامع" و" الدر المنثور" وغيرهما ، فلعله وجد فيه أمثلة أخرى عديدة للحديث المعضَل ، فجعله من مظانه ، فإنه لا يلزم من قِلَّتها في القطعة التي حققها الدكتور سعد الحميد أن تكون قليلة نادرة في بقية الكتاب الذي يمثِّل أكثر من نصفه تقريبا ، فما لم نقف على بقيته لا يمكننا تخطئة السيوطي .
2-  مُشاركة بقية أصحاب الكتب والمصنفات لسعيد بن منصور في إخراج هذه الأنواع من الأحاديث ، يعني المنقطع والمرسَل والمعضَل ، لا يمنع من التمثيل بكتاب سعيد بن منصور ، فلعل السيوطي حين عدَّ "سنن سعيد بن منصور" من مظانها ، كان عهدُه بالرجوع إليه قريبًا دون غيره من المصنفات ، فصرَّح به .
3-  ذِكرُ السيوطي للحديث المعضَل مضموماً إلى المرسَل والمنقطِع يخفِّف من وطئة النقد ، لأنه لا يعني بهذا أن تكون الأنواع الثلاثة متساوية في الكثرة ، بل يصح وجود التفاوت .
4-  من المعلوم أن للمعضَل إطلاقاتٍ عديدة غير الإطلاق المشهور وهو : مَا سَقَطَ مِنْ إِسْنَادِهِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا ، ويُمَثِّلونَ له بمَرفوعِ أتباعِ التَّابعين ، كَقَوْل مَالك : قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم .
ويدخل فيه : مَا يَرْوِيهِ مَنْ دُونَ تَابِعِيِّ التَّابِعِيِّ " عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا " غَيْرَ ذَاكِرٍ لِلْوَسَائِطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، كقول الشَّافِعِي : قَالَ ابْن عمر كَذَا .

إطلاقات المعضَل :
       وقد ذكر ابن الصلاح له إطلاقات أخرى ، منها :
(1) [ما وقفه تابع التابعي على التابعي] قال : إِذَا رَوَى تَابِعٌ عَنِ التَّابِعِ حَدِيثًا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ مُسْنَدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نَوْعًا مِنَ الْمُعْضَلِ.
مِثَالُهُ : " مَا رُوِّينَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: " عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: مَا عَمِلْتُهُ، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ..." الْحَدِيثَ. فَقَدْ أَعْضَلَهُ الْأَعْمَشُ، وَهُوَ عِنْدَ الشَّعْبِيِّ : عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُتَّصِلًا مُسْنَدًا.
قال ابن الصلاح : قُلْتُ: هَذَا جِيدٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الِانْقِطَاعَ بِوَاحِدٍ مَضْمُومًا إِلَى الْوَقْفِ يَشْتَمِلُ عَلَى الِانْقِطَاعِ بِاثْنَيْنِ: الصَّحَابِيِّ وَرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ بِاسْتِحْقَاقِ اسْمِ الْإِعْضَالِ أَوْلَى .انتهى
يعني : إِذا وقف تَابع التَّابِعِيّ على التَّابِعِيّ حَدِيثا هُوَ مَرْفُوع مُتَّصِل عِنْد ذَلِك التَّابِعِيّ فقد جعله الْحَاكِم نوعا من المعضَل .ونَظَّر عليه ابن جماعة في "المنهل" ، وذكر السيوطي شرطين في "التدريب" لعدّه من المعضَل .
(2) [معلَّقات الفقهاء] قال: قَوْلُ الْمُصَنِّفِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَكَذَا " وَنَحْوُ ذَلِكَ، كُلُّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُعْضَلِ، وَسَمَّاهُ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ مُرْسَلًا، وَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُسَمِّي كُلَّ مَا لَا يَتَّصِلُ مُرْسَلًا ، انتهى.
أقول : وهو من صُوَر التعليق عند المتأخرين لكونه من مبادئ السند ، لكن ابن الصلاح لم يفرق بينهما . قال في " التدريب" : قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الشُّمُنِّيُّ: خَصَّ التِّبْرِيزِيُّ الْمُنْقَطِعَ وَالْمُعْضَلَ بِمَا لَيْسَ فِي أَوَّلِ الْإِسْنَادِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ فَمُعَلَّقٌ، وَكَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ أَعَمُّ.
(3)  [مرفوع صغار التابعين] قال ابن الصلاح في الحديث المرسَل : اختلفَ في حدِّ الحديثِ المرسَل ، فالمشهورُ أنَّهُ : مَا رَفَعهُ التابعيُّ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سواءٌ كانَ مِنْ كبارِ التابعينَ ... أو من صغارِ التابعينَ ...
قال: وله صور اختُلف فيها : أهي من المرسَل أم لا ؟ ... فمنها : قولُ الزُّهريِّ، وأبي حازمٍ، ويحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ، وأشباهِهِم مِنْ أصاغِرِ التابعينَ: "قالَ رسولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم " حكى ابنُ عبدِ البرِّ : أنَّ قوماً لا يُسَمُّونَهُ مُرْسَلاً بلْ منقطِعاً ؛ لكونِهِم لَمْ يَلْقُوا مِنْ الصحابةِ إلاَّ الواحِدَ والاثنينِ ، وأكثرُ روايتِهِم عَنِ التابعينَ .
 قال الحافظ في "النكت" : فإن قيل: فعلى هذا كان ينبغي لهم تسميتُه معضلا لا منقطعا كما سيأتي في تعريف المعضل أنه الذي سقط منه اثنان فصاعدا ! . قلنا: ذاك حيث يتحقق ذلك ، أم مع الاحتمال فلا يسمى معضلا.
وقال العراقي في "شرح الألفية" : أما مراسيلُ صغارِ التابعينَ، فإنّها لا تسمّى مرسلةً على هذا القولِ، بل هي منقطعةٌ ، هكذا حكاهُ ابنُ عبد البرِّ عن قومٍ من أهلِ الحديثِ؛ لأنَّ أكثرَ رواياتِهِم عن التابعينَ ، ولم يلقَوا من الصحابةِ إلا الواحدَ والاثنين .
وعلق عليه البقاعي في " النكت الوفية" بقوله : قولُهُ : (بل هيَ مُنقطِعةٌ) كانَ ينَبغي (مُعضلةٌ) ؛ فإنَّ المرسَلَ والمنقطِعَ-وإنِ اشتَركا في أنَّ السَاقِطَ مِن كلٍ منهمَا واحِدٌ- لكنَّهُ صَرحَ بالمغايرةِ بينَهما، فالمنقطِعُ : ما سَقطَ منهُ واحِدٌ قبلَ الصَحابِي، والمرسَلُ : ما سَقطَ منهُ واحِدٌ هوَ الصَحابيُ. والفَرضُ أَنَّ التَابعيَ أسقَطَ مَن بَينهُ وَبينَ النَبي صلى الله عليه وسلم ، والظاهِرُ أنَّ ذلِكَ تَابعيٌّ وَصَحابيٌّ؛ لأنَّ فرضَ المَسألةِ أنَّهُ تَابعيٌّ صَغيرٌ يُكثرُ الروايةَ عَن التابعينَ؛ فصارَ السَاقِطُ اثنينِ مُتواليينِ، فَانطبقَ عليهِ تَعريفُ المعضَلِ.
وصغار التابعين حسب اصطلاح الحافظ ابن حجر في "التقريب" هم من كان من الطبقتَين : الخامسة [وهم الذين رأوُا الواحد والاثنين، ولم يَثْبُتْ لبعضهم السماعُ من الصّحابة، كالأعمش] والسادسة [وهم الذين عاصروا الخامسة، لكن لم يَثبُت لهم لقاءُ أحدٍ من الصحابة، كابن جريج] .

            وأما طبقة الزهري فعدَّها الحافظ طبقةً تلي الوسطى من التابعين ، يعني هي الطبقة الرابعة حيث قال : "الرابعة: طبقةٌ تليها جُلُّ روايتهم عن كبار التابعين، كالزُّهْري وقتادة".فالحاصل : أن السيوطي حين عَدَّ " سنن سعيد بن منصور " من مظان المعضَل ربما يقصد إحدى هذه الإطلاقات الأخرى ، فيما يبدو لي ، والله أعلم .

أمثلة المعضَل :
أمثلة الحديث المعضَل حسبما ذكره الدكتور سعد الحميد في تحقيقه لقسم فضائل القرآن والتفسير من "سنن سعيد بن منصور" وهي سبعة أحاديث ذات الأرقام [72، 75، 191، 230، 415، 483، 515] :
72- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ آمِرًا، وَزَاجِرًا، وَسُنَّةً خَالِيَةً، وَمَثَلًا مَضْرُوبًا، فِيهِ نَبَؤُكُمْ، وَنَبَأُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ خَاصَمَ بِهِ فَلَجَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، لَا يُخْلِقُه طولُ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ) .
قال معلقا عليه : عَبد العَزيزِ بنِ عُبَيْد اللَّهِ بن حَمزَة بن صُهَيب بن سِنَان الحِمْصِي : من أتباع التابعين ، يروي عن التابعين مثل : نافع ومحمد بن المنكدر وغيرهما، فروايته هنا معضَلة.
75- نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أُسِيد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَثْعَمي ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ قَرَأَ ﴿يسٓ﴾ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ القرآن عشرَ مرات) .
قال معلقا عليه : حسان بن عطية هنا يروي الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم ، ولم يذكروا أنه سمع من أحد مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم سوى أبي أمامة صدي بن عجلان، وقيل: لم يسمع منه، ولذا ذكره ابن حبان في "ثقاته" في أتباع التابعين (6 / 223) ، وانظر" جامع التحصيل" (ص194 رقم 132) . والحديث سنده ضعيف جدًّا لإعضاله، ولأن إسماعيل بن عياش مدلِّس ولم يصرح بالسماع هنا.
191- نا سُفْيَانُ وَسُئِلَ عَنْهُ [أي عن قوله تعالى : وفومها] ، فَقَالَ: كَمَا يَقْرَأُ عبد الله (وثُومِها) .
قال معلقا عليه : سنده معضل بين سفيان بن عيينة وابن مسعود.
230- نا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ الخَوْلاَني، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ، وَإِنْ قَلَّتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَتِلَاوَتُهُ لِلْقُرْآنِ، وَمَنْ عَصَى اللَّهَ فَقَدْ نَسِيَ اللَّهَ، وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وتلاوته القرآن) .
علق عليه : خالد بن أبي عمران التُّجَيْبي، أبو عُمر قاضي أفريقية ، ذكره ابن حبان في "الثقات" في أتباع التابعين، ولم يذكروا أنه روى عن أحد من الصحابة، إلا ابن عمر مرسلاً، وعن أبي أمامة، قال أبو حاتم: "لم يسمع من أبي أمامة" . وسنده ضعيف جدًّا لإعضاله، فإن خالد بن أبي عمران من أتباع التابعين، والإسناد إليه حسن.
415- نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا جُوَيْبر ، عَنِ الضَّحَّاك - فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ - قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ أَنْفَقَ عَلَى امْرَأَتِهِ حَوْلًا، ثُمَّ يَقْسِم أهلُ الْمِيرَاثِ ميراثَهم، فَنَزَلَتْ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ ، ثم نسخ من الأربعة الأشهر وَالْعَشْرِ: ﴿وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ إِذَا وَضَعْنَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ) .
علق عليه : سنده ضعيف جدًّا لشدة ضعف جويبر، وإعضاله ؛ لأن الضحاك لم يسمع من أحد من الصحابة . وهو هنا يروي ما يتعلق بسبب النزول .
483 - نا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْط ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ : جَاءَ بِهَا جِبْرِيلُ وَمَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا﴾ ، قَالَ: ذَاكَ لَكَ، ﴿أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ ، قَالَ: ذَاكَ لَكَ، ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ ، قَالَ: ذَاكَ لَكَ، ﴿وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ ، قَالَ: ذَاكَ لَكَ، ﴿وَاعْفُ عَنَّا﴾ ، قَالَ: ذَاكَ لَكَ، ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾ ، قال: ذاك لك، ﴿وَارْحَمْنَا﴾ ، قَالَ: ذَاكَ لَكَ، ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ﴾ ، قال: ذاك لك).
علق عليه : سنده ضعيف جدًّا لإعضاله، فالضحاك تقدم في الحديث [481] أن ابن حبان قال عنه: (لم يشافه أحدًا من الصحابة) .
515 - نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا جُوَيْبر، عَنِ الضَّحَّاك قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ﴾ ، جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ المِلَلِ: مُشْرِكِي العرب، والنصارى ، وَالْيَهُودَ وَالْمَجُوسَ والصَّابِئِين، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا الْبَيْتَ) ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ إِلَّا الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ كَفَرُوا بِالْبَيْتِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ - يَعْنِي مَنْ جَحَدَ - ﴿فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ .
علق عليه : سنده ضعيف جدًّا لشدة ضعف جُويبر وإعضاله ، والضحاك تقدم في الحديث [481] أنه لم يسمع من أحد من الصحابة .

التعليق على الأمثلة السبعة :
الحديثان (72، 191) يُحملان على الاصطلاح المشهور للحديث المعضَل ، وهو :  ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا أو مرفوع أتباع التابعين ، فعبد العزيز بن عبيد الله من أتباع التابعين [من الطبقة السابعة في التقريب] وقد رفع الحديث .
وسفيان بن عيينة من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين [من الثامنة في التقريب] وقد أسند الحديث إلى ابن مسعود بدون ذكر الوسائط ، وابن مسعود متقدم الوفاة ( توفي سنة 32هـ) فالساقط واسطتان وربما أكثر . فيصدق على الحديثَين تعريف المعضَل المشهور.
أما الحديثان (75، 230) فهما من مراسيل صغار التابعين ، فحسان بن عطية في طبقة الزهري [الطبقة الرابعة في التقريب] وخالد بن أبي عمران من طبقة الأعمش [الخامسة في التقريب] وهما يرفعان الحديث ، فيحتمل وجود واسطتين : تابعي كبير وصحابي ، وهو أحد إطلاقات المعضَل مما ذكروه في مبحث الحديث المرسل .
أما الأحاديث (415، 483، 515) فهي في ذكر أسباب النزول مما رواها الضحاك بن مزاحم وهو من صغار التابعين [من الخامسة في التقريب] بدون ذكر الوسائط ، ورواها عنه جويبر وهو من التابعين [من الخامسة أيضا] موقوفا عليه . فيصدق عليها معنى المعضَل الذي ذكره الحاكم .
فاتضح أن الدكتور سعد الحميد استعمل الإطلاقات الأخرى للحديث المعضَل في الحكم على الأحاديث السابقة بالإعضال . فلا يبعد وجود أمثلة أخرى في كتاب "سنن سعيد بن منصور".

أمثلة أخرى للحديث المعضَل من رواية سعيد بن منصور :

مثال (1) :
699/ 53 -عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم : "الدِّيَةُ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَالْعَقْلُ عَلَى الْعَصَبة" ص .
أورده السيوطي في جمع الجوامع (23/ 632) ورمز له بــ(ص) وهو رمز سعيد منصور . وإبراهيم النخعي من صغار التابعين [من الخامسة في التقريب] وقد رفع الحديث .
مثال (2) :
قال الحافظ في فتح الباري (2/ 66) : وَرُوِّينَا فِي "سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ" عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :عَجِّلُوا صَلَاةَ الْعَصْرِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ . إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ مَعَ إِرْسَالِهِ .
عبد العزيز بن رفيع من طبقة الزهري [من الرابعة في التقريب] وقد ذكر الحديث بلاغا .
مثال (3) :
حديث : "لَكِنَّ رَبِّى أَمَرَنِى أَنْ أُحْفِى شَارِبِى، وأُعْفِى لِحْيَتِى". أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ج 1 قسم 2 ص 147، قال: أخبرنا سعيد بن منصور، حدثنا سفيان ، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عبيد الله بن عبد الله قال: جاء مجوسى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  قد أعفى شاربه، وأحفى لحيته ... الحديث .
عبد المجيد بن سهيل تابعي صغير[من السادسة في التقريب] وقد وَقَف الحديث على التابعي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة .
مثال (4) :
484/ 19980 - "مشْيُكَ إِلَى المسْجدِ، وانْصِرافُكَ إِلَى أَهْلِكَ فِي الأجْرِ سواء".
أورده السيوطي في جمع الجوامع (8/ 293) وعزاه إلى ابن زنجويه عن يحيى بن يحيى الغسانى مرسلًا . وعزاه في "الجامع الصغير" لسعيد بن منصور في "سننه" كما قال الألباني . ويحيى بن يحيى الغساني من صغار التابعين [من السادسة في التقريب] وقد رفع الحديث .
مثال (5) :
4358/ 22854 "مَنْ قَطَعَ مِيراثًا فَرَضَهُ اللهُ قَطَعَ اللهُ مِيرَاثَهُ مِنَ الجَنَّةِ " .
أورده السيوطي في «الجامع الكبير» (9/ 825) وقال : ص عن سليمان بن موسى مرسلًا.
و(ص) رمز سعيد بن منصور ، وسليمان بن موسى من صغار التابعين [من الخامسة في التقريب] وقد رفع الحديث .
مثال (6) :
سعيد بن منصور، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، أخبرني الهيثم بن حفص، عن أبيه، عن عمر بن علي بن حسين : أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر بتلك الجماجم تُجعل في الزرع من أجل العين . هذا منقطع
أسنده البيهقي في " السنن الكبرى"  6 / 138 في كتاب المزارعة وقال : منقطع . يعني أنه معضَل ، فإن عمر بن علي بن الحسين من أتباع التابعين [من السابعة في التقريب] .
مثال (7) :
في سنن سعيد بن منصور، باب: (الغلام بين أبوين أيهما أحق به) 2/ 115 حديث 2292 قال: أخبرنا سعيد، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، حدثنى عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي مالًا وولدا، ولأبي مال وولد، يريد أن يذهب بمالي إلى ماله وولده، فقال: "أنت ومالك لأبيك".
المطلب من طبقة الزهري من التابعين [من الرابعة في التقريب] وقد رفع الحديث .
مثال (8) :
2128 - أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، نا هُشَيْمٌ، أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، نا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ لَهُ وَلَدًا مِنْ أُمِّ فُلَانٍ مِنْ زِنًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا عُهْرَ فِي الْإِسْلَامِ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْأَثْلَبُ» . سنن سعيد بن منصور (2/ 106) بتحقيق الأعظمي
عمرو بن شعيب من صغار التابعين [من الخامسة في التقريب] وهو يروي عموما بواسطتين (عن أبيه عن جده) عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد رفع الحديث هنا .
مثال (9) :
2922 - حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَجِيحٍ، عن فُضَيْلِ بْنِ فَضَالَةَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِالْعَصَائِبِ، وَقَالَ: «إِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا خِرْقَةً فَلْيَتَعَصَّبْ بِهَا» . سنن سعيد بن منصور (2/ 381) بتحقيق الأعظمي
فضيل بن فضالة من صغار التابعين [من الخامسة] وقد أرسل الحديث .
مثال (10) :
2852 - حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: وَقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَةُ بِيَدِهِ فَأُصِيبَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ حَسِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ لَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ " . سنن سعيد بن منصور (2/ 356) بتحقيق الأعظمي .
عبد الله بن أبي نجيح من صغار التابعين [من السادسة في التقريب] وقد رفع الحديث .


هذا ما تيَسَّر جمعه في تجلية هذا الموضوع وهو (الحديث المعضَل في سنن سعيد بن منصور) بتوفيق الله تعالى وعونه ، ومن كان عنده زيادة علم فليُدل بدلوه .


جمعه ورتبه العاجز : محمد طلحة بلال أحمد منيار
يوم الخميس 6 جمادى الأولى 1441 هـ الموافق 2 يناير 2020 م

Comments

Popular posts from this blog

اللہ تعالی کی رضا اور ناراضگی کی نشانیاں

جنت میں جانے والے جانور

تخریج حدیث : النکاح من سنتی